كان الأفتقاد-الذى يملأ قلبها الصغير-وصل الى أقصى حد..حتى أعتقدت أن قلبها لابد وأن ينفجر الآن..الذى أنفجر فعلا هى الدموع التى كانت تداريها عن جدتها حتى لا توبخها مرة أخرى..ستة أشهر الآن على غياب أمها وراء ذلك الحاجز الزجاجى الذى لا يسمحون لها بالمرور عبره..
ذلك الصباح ..كانت فى المدرسة التى دخلتها لأول مرة دون أن تكون معها أمها كباقى البنات من حولها..اعطاها والدها (مجلة ميكى) حتى لا تبكى..لكن لا ميكى ولا بطوط ولا حتى كابتن ماجد الذى تحبه يستطيع أن يمنعها من البكاء اليوم..
العطر الذى تشمه فى ملابس أمها تسلل الى أنفها الصغير لتتخيل فى لحظة أن الله استجاب اخيرا لدعواتها وجائت أمها لتراها فى المريلة الكحلية الجديدة كما قالت..استدارت لتجد السيدة التى عرفت انها (المس)بجوارها لتقول متعيطيش يا حبيبتى شويه وتروحى لماما..كأن هذا ما ينقصها لتبكى اكثر..ألا يكفى أنكِ تضعين نفس العطر أيتها ال (مس)؟
تخبرها صديقتها الجديدة شيماء ذات الشعر الأسود الفاحم الذى يغطى عينيها أن النجوم تستمع الى الأطفال و تنقل رسائلهم الى من يحبون..
كانت شيماء تعرف كل شىء وهى من علمتها كيف تربط رباط الحذاء الجديد عندما يفك..ببساطة تدخل الرباط الى داخل الحذاء دون الحاجة الى كل هذه العقد التى يعلمها لها أبوها..وهى أيضا من تساعدها فى التخلص من ساندوتشات المربى التى تكرهها بطريقة أبسط..تأكلها هى..
شيماء العالمة بكل الأمور أخبرتها أن النجوم تستمع وتنقل فلابد أن الأمر كذلك..
فى المساء جلست فى الشرفة ورفعت عينيها الى السماء لترى القمر والنجمة المجاورة التى تحمل نفس أسم أختها (كما أخبرتها)..
اختارت هى نجمة وحيدة بعيدة تلمع فى شحوب ورفعت عينيها اليها وحكت..حكت عن المدرسة والحوش الضيق..والأرجوحة التى يتعارك عليها الأطفال كل يوم الا هى..وعن اللوح الرخامى التى تجلس عليه هى وشيماء ذات الشعر الأسود الفاحم التى تأكل ساندوتشات المربى (بتاعتها)كل يوم..وعن أستاذ ابراهيم مدرس الدين الذى يدلل شيماء اكثر حتى لا تبكى كعادتها..ومس محفوظة مدرسة القرآن التى تخلع النقاب لتظل عيناها معلقة بالحسنة الكبيرة على أنفها..الحسنة التى حلمت فى يوم أنها تطاردها وتبتلعها هى وشيماء وباقى الفصل..وعن عايدة التى عدت الأطفال كلهم بالجدرى و نقلته هى بعذ ذلك الى أختيها وبنات خالتها..وعن ال(مس )التى تضع نفس عطر أمها وتجبرها على كتابة الواجب مرتين لآن (خطها وحش)..وعن بكائها كل ليلة وهى نائمة بجوار جدتها..ولا تذهب قبل أن ترجو النجمة أن تنقل كل كلامها الى امها فى ذلك البلد البعيد وتطلب منها أن تعود بسرعة..لأنها..لأنها تريد ان تتمسك بثوبها الأسود وتشم رائحته لتنام.
الأن بعد كل هذه السنوات..وبعد أن عادت أمها منذ زمن ليسافر أبوها .وبعد أن عاد أبيها لتسافر جدتها الى الجنة..وبعد أن ذهبت شيماء لتأتى رندا ثم سها ثم داليا ولميا..بعد كل هذه السنوات..فى ذلك المساء فى نفس الشرفة..كان الأفتقاد يملأ قلبها الذى صار أصغر..حتى ظنت أنه لابد و أن ينفجر الآن..رفعت عينيها للسماء لترى القمر..والنجمة المسماه على أسم أختها (كما تعتقد حتى الآن)..وهناك بعيدا كانت النجمة الوحيدة تلمع فى شحوب..تذكرت أن هناك من أخبرها أن* النجوم تكتم الأخبار..
فأبتسمت..وحكت..
هناك تعليق واحد:
باستثناء اللغة، عجبتني اوي، حاسس فيها حاجة من الواقع كده، يعني عاوزة تقولي حاجة
إرسال تعليق